سؤال حمد - من ملتقى أهل التفسير: حول اختلاف المفسرين في تأويل : ((لن تقبل توبتهم)) في قوله تعالى في سورة آل عمران : {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ }
ورأي المشايخ في تفسيرالإمام البقاعي للآية, حيث قال في تفسيره (ولما رغّب في التوبة رهّب من التواني عنها فقال: {إن الذين كفروا} أي بالله وأوامره، وأسقط الجار لما مضى من قوله {من بعد إيمانهم} بذلك. ولما كان الكفر لفظاعته وقبحه وشناعته جديراً بالنفرة عنه والبعد منه نبه سبحانه وتعالى على ذلك باستبعاد إيقاعه، فكيف بالتمادي عليه فكيف بالازدياد منه! وعبر عن ذلك بأداة التراخي فقال: {ثم ازدادوا كفراً} أي بأن تمادوا على ذلك ولم يبادروا بالتوبة {لن تقبل توبتهم} أي إن تابوا، لأن الله سبحانه وتعالى يطبع على قلوبهم فلا يتوبون توبة نصوحاً يدومون عليها ويصلحون ما فسد، أو لن توجد منهم توبة حتى يترتب عليها القبول لأنهم زادوا عن أهل القسم الأول بالتمادي، ولم يأت بالفاء الدالة على أنه مسبب عما قبله إعلاماً بأن ذلك إنما هو لأنهم مطبوع على قلوبهم، مهيؤون للكفر من أصل الجبلة، فلا يتوبون أبداً توبة صحيحة، فالعلة الحقيقية الطبع لا الذنب، وهذا شامل لمن تاب عن شيء وقع منه كأبي عزة الجمحي، ولمن لم يتب كحيي بن أخطب)
أوصي طلاب العلم فيما يستشكلونه من مسائل التفسير بأمرين:
الأمر الأول: رد ما اشتبه عليهم إلى المحكم والإيمان بكل ما أنزل الله.
فيسير على الطريق المأمون الذي أرشد الله إليه ويرجى له أن يوفق لفهم ما أشكل عليه.
الأمر الثاني: أن يرجع إلى تفاسير الأئمة المتقدمين ويقرأ أقوالهم بتمعن إن كان له أهلية النظر في أقوال التفسير ، وإلا سأل من يثق بعلمه من العلماء الربانيين.
وأما تفسير البقاعي فقد اشتغل فيه بالتناسب وأجاد في مواضع، وظهر منه تكلف غير مقبول في مواضع كثيرة
وله طريقة في الجمع بين الأقوال التي قيلت في التفسير وتوظيفها في عدة سياقات واستعمالها في الربط بين الآيات ، ما هو محل نظر في بعض المواضع، ومردود غير مقبول في مواضع أخرى.
وأما ما استشكلته في قوله تعالى: {إن الذي كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون}
فالمختار في تفسيرها أنها في أهل الأديان الذين يتوبون من بعض الذنوب وهم مقيمون على الكفر كاليهود والنصارى الذين شهدوا أن الرسول حق ولكنهم كفروا بعد إقرارهم وشهادتهم بأنه حق وجاءهم البينات وعرفوا بها أن دين الإسلام حق، وأبو إلا الإقامة على دينهم
ألا ترى أن الله يقول: {وأولئك هم الضالون} فلا تقبل توبة من غير مسلم
ويشهد لصحة هذا التفسير وهو مروي عن أبي العالية الرياحي رحمه الله قوله تعالى قبلها: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}