في دورة طلب العلم، نواقض الإخلاص في طلب العلم ورد أن العمل إذا كان بعضه خالصا وبعضه مراءاة كان عملاً باطلا يرد على صاحبه. وعُقب ذلك بتنبيه أن ذلك من مداخل الشيطان.
سؤالي: كيف يسلم الإنسان من بطلان عمله بهذه الطريقة؟ ولو قلنا بالمدافعة والمجاهدة، وهذا لا يصل إليه إلا أقل القليل من العباد المخلَصين، فكيف بعامة الناس؟
الرياء في طلب العلم على درجتين:
الأولى: أن يكون أصل طلب العلم ليس لله عزّ وجلّ فلم يدفعه إليه رغبة في ثواب الله تعالى ولا رهبة من عقابة ولا همّة في التقرّب إليه، وإنما يريد تحصيل العلم ليقال هو عالم ، أو لينال به شيئاً من عرض الدنيا من مال أو جاه أو رئاسة؛ وأصحاب هذه الدرجة حابط عملهم في طلب العلم وباطل كلّ ما بذلوه فيه من جهد ووقت وهم متوعّدون بالعذاب الشديد على فساد نيّاتهم وانحراف مقاصدهم والعياذ بالله.
والدرجة الثانية: أن يكون أصل طلب العلم لله تعالى ؛ يدفع الطالبَ إليه حبّ التقرّب إلى الله تعالى ورجاء فضله وثوابه والرهبة من سخطه وعقابه؛ لكنّه قد يقع في الرياء في أحوال وأوقات يُفتن فيها؛ كأن يرائي في بعض الدروس ، لكنّه مخلص في كثير منها؛ فما راءى فيه فهو باطل مردود لأنّ الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له جلّ وعلا، ومن عمل عملاً أشرك معه فيه غيره تركه وشركه.
ولأجل أن هذا العمل منفصل عن الأعمال الأخرى التي أخلص فيها؛ فلا يبطلها، ولكن يجب على من وقع في شيء من الرياء أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يحقق الإخلاص وليحذر أن يكون آخر عمله الرياء؛ فإنّ الأعمال بخواتيمها.
وأمّا العمل المتّصل بعضه ببعض كالصلاة ؛ فإن راءى في ركعة منها بطلت كلها؛ لأن بطلان ركعة يبطل الصلاة كما لو انكشفت عورته من غير عذر في ركعة من الركعات أو انحرف عن القبلة فإن صلاته تبطل.
وأمّا سبيل الخلاص من الرياء فهو الالتجاء إلى الله تعالى وسؤاله سلامة القلب منه، والبراءة من الشرك، والتوكّل عليه والاستعانة به، وأن يكون لدى المؤمن بصيرة بحال نفسه وحاجته إلى صلاح عمله وتضرّره بفساده، وحاجته إلى صلاح عمله أعظم من حاجة الجائع الفقير إلى طعام نافع شهيّ ساقه الله إليه؛ فإن أفسده ببعض النجاسات بقي جائعا مغبوناً لا عذر له، وإن حفظ طعامه حتى يتناوله انتفع به.
ومن البصائر النافعة في دفع الرياء: أن يعلم فقر من يرائيهم إلى من ترك الإخلاص له.
ومن البصائر كذلك: أنّ كلّ ما تطلبه نفسه من الخير بيد الله تعالى حتى محبّة الناس وثنائهم ؛ فإن راءى أعقبه ذلك سخط الناس ومقتهم، وإن أخلص لله تعالى جعل الله له ودّا في قلوب عباده، وذكراً حسناً.
ومن البصائر كذلك: أن يوقن بأنّ فضل الله تعالى لا ينال بمعصيته، وأنّ من أخلص لله تعالى وأحسن عمله، لا يضيع عمله مهما قلَّ فهو كتاب حسناته، وإن لم يطّلع عليه أحد من الناس، وإن لم يعرفه أحد.
ومن البصائر كذلك: أن يفقه سنّة الابتلاء لتحقيق الإخلاص كما قال الله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيّب} ؛ فيبتلى العبد بثمرات قريبة المأخذ تنال بمعصيته ومكاره تصيبه إذا اتّبع الهدى ولم ينحرف عنه؛ فإن ثبت وصبر ولم يكن في قلبه إلا الصدق والإخلاص والثبات على ذلك فتح الله له من أبواب فضله ورحمته ما يكفيه ويغنيه.
ومدافعة الرياء وآفات الأعمال واجبة على كلّ مسلم، ولا تختصّ بخواصّ المسلمين؛ لكن كلّ يُبتلى بما يناسب حاله؛ فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، وعظم الجزاء مع عظم البلاء، والله يعصم ويوفّق من يشاء.