22 Aug 2015
التعريف بالمهارات الأساسية في التفسير
الحمد لله وسلام على عباده الذين
اصطفى أما بعد:
فإن علم التفسير من أشرف العلوم
وأجلها، وأوسعها دلالة، وأعظمها بركة لتعلّقه بكتاب الله جلّ وعلا الذي جعله هاديا
للتي هي أقوم في كلّ شيء، ومُـخرجًا للناس من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى
السعادة، وفيه مجامع الحكمة وأصول الأحكام، ومحاسن الآداب والمواعظ ، وقد ضرب لله
فيه للناس من كلّ مثل، وقصّ فيه على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، وجعله
تبياناً لكلّ شيء؛ وتفصيل كلّ شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
فعلى قدر علم العبد بمعاني كلام
الله وتفقهه فيه بزكاة نفس ويقين قلب يتّسع علمه وتعظم بركته ويحسن الانتفاع به.
وقد اعتنى أهل العلم بتفسير كلام
الله تعالى وبيان هداياته وأحكامه ليتفقهوا فيه، وليبلّغوا كتاب الله بحروفه
ومعانيه ، فربّ هداية يهتدي بها من يقرأ التفسير تكون له نوراً في حياته كلها ،
ويجد من نفعها وبركتها شيئاً عظيماً، وكلما ازداد العبد من التعرف على هدايات
القرآن واجتهد في اتّباعها ازداد نصيبه من بركة العلم وطيب الحياة وحسن العاقبة.
وقد تنوّعت مسالك العلماء في
التفسير واتّسعت، واختلفت مذاهبهم ومشاربهم، وتنوّعت طرائقهم في بيان معاني
القرآن:
- فمنهم من سلك مسلك الإجمال
والاختصار، والإشارة إلى بعض ما اختلف فيه بعبارة جامعة مختصرة قد لا يتفطن القارئ
المتعجّل لما وراءها.
- ومنهم من غلب عليه بيان
المعاني اللغوية من تفسير المفردات وبيان أوجه البلاغة والعناية بتصريف الكلمات
وإعرابها واشتقاقها.
- ومنهم من غلب عليه العناية بما
ورد من الأحاديث والآثار على اختلاف بينهم في التوسّع والاختصار، وتمييز الصحيح من
الضعيف، وذكر الأسانيد وحذفها، والعناية بنقدها وفقهها، والتفنن في جمعها ونقلها.
- ومنهم من غلب عليه العناية
بجمع أقوال المفسّرين في مسائل التفسير على اختلاف بينهم في درجة التوثق من صحة
نسبة الأقوال إلى قائليها، وتفاوت ظاهر في طرائق جمع الأقوال وتصنيفها.
- ومنهم من غلب عليه إرادة
التحرير والترجيح والتدقيق والتمحيص وإعمال أصول التفسير وقواعده.
- ومنهم من غلب عليه بيان
الأحكام الفقهية والتوسع في بسطها ودراستها.
- إلى غير ذلك من أنواع العلوم
التي يعتني بها كثير من المفسّرين ؛ على تفاوت بينهم في ذكر ما يتصل بالآيات من
أنواع علوم القرآن الأخرى كالقراءات والوقف والابتداء وعدّ الآي وأسباب النزول
والناسخ والمنسوخ والفضائل والمناسبات والمبهمات وغيرها.
ومن المفسّرين من جمع في تفسيره
العناية بمحاسن بعض تلك المسالك ؛ مع العناية بالتحرير وعدم التطويل؛ فجاءت
تفاسيرهم حاوية لأنواع من المسائل المتصلة بالآيات؛ فمنها ما يذكرونه نصّاً، ومنه
ما يُستخرج من كلامهم بشيء من التأمّل والتيقظ، ومنها ما يُغفلونه في مواضع
ويذكرون له أمثلة في مواضع أخرى.
ولذلك ينبغي لطالب العلم أن
يجتهد في إحسان دراسة التفسير ، وأن لا يكون تعلّمه للتفسير قاصراً على مجرّد
القراءة العابرة، أو النظر الكليل المتعجل، الذي يكون مراد صاحبه غالباً بلوغ آخر
التفسير، حتى يرضي نفسَه المتعجلة بأنه قرأ التفسير الفلاني كاملاً، ولو أنّه رجع
إلى نفسه بعدد من الأسئلة لوجدها بعيدة عن ضبط مسائل التفسير الذي قرأه.
والعلم لا يُنال براحة الجسد،
ولا بالأماني الباطلة، والعزائم الواهنة، والدعاوى الواهية، ولكن بإحسان التعلّم
وصبر النفس على القراءة والدرس وضبط مسائل العلم، والمداومة على حسن التحصيل حتى
يبلغ مرتبة العلماء بإذن الله تعالى، ومن سار على الدرب وصل.
وقد تأمّلت طرق المفسّرين في تعلّمهم التفسير
ودراستهم مسائله حتى وصلوا مرحلة التحقيق فوجدتها قائمة على أصلين عظيمين:
أحدهما: ضبط المعارف المهمة التي هي عمدة العلم
بالتفسير من معاني المفردات والأساليب، وأحكام الآيات، وأسباب النزول وأحواله، والناسخ
والمنسوخ، وما إلى ذلك من المعارف التي هي لبّ علم التفسير.
والأصل الآخر: المهارات التي يستعينون بها على
إحسان دراسة مسائل التفسير، ويستخرج بها علم غزير مبارك لا يُدرك بالتلقين ولو
كثر.
وأهل التفسير يتفاضلون تفاضلاً كبيراً في تحصيل
هذين الأصلين لدخول التفاضل فيهما من جهات كثيرة.
وهذه الدورة العلمية حرصت فيها على استخلاص المهارات
الأساسية في التفسير، وتقريبها وشرحها بالأمثلة والتطبيقات ليحصل لطلاب العلم التبصّر
بها، والتدرب على أمثلتها وتطبيقاتها حتى يتقنوا هذه المهارات التي لا يحسن بطالب
علم التفسير جهلها، ولا الضعف في تحصيلها وإدراكها؛ لترتّب كثيرٍ من مهارات
التفسير المتقدّمة عليها؛ وتوقف فهم كثير من مسائل التفسير على إتقانها.
والتأصيل الجيّد لها يعين الطالب على حسن
الانطلاق في دراسة مسائل التفسير دراسة حسنة مفصّلة توصله إلى مرتبة التحقيق في
التفسير بإذن الله تعالى. .
وسنعرض دروس هذه الدورة في موضوعات
منظمة مشروحة بتفصيل مناسب ومشبعة بالأمثلة والتطبيقات المتدرّجة.
وأوصي دارسي هذه الدورة بالاستكثار
من الأمثلة والتطبيقات على هذه المهارات، وأن يتخذ كلّ واحد منهم أصلاً له في
التفسير يتعاهده بالإضافة والتهذيب حتى يحصّل بالمداومة على هذه الدراسة علماً
غزيراً في التفسير بإذن الله تعالى.
وهذا إجمال تلك المهارات الأساسية:
المهارة الأولى: استخلاص مسائل
التفسير من تفسير واحد.
المهارة الثانية: استخلاص مسائل
التفسير من تفاسير متعددة.
المهارة الثالثة: تصنيف المسائل وترتيبها
المهارة الرابعة: جمع أقوال المفسرين في المسائل المستخلصة
المهارة الخامسة: تعرّف مراتب المصادر في التفسير
المهارة السادسة: تعرّف طرق نسبة الأقوال إلى المفسّرين
المهارة السابعة: تعرّف حجج الأقوال في التفسير
المهارة الثامنة: تحرير الأقوال المتفقة والمتقاربة في التفسير.
المهارة التاسعة: تحرير الأقوال المختلفة في التفسير.
المهارة العاشرة: تمييز أوجه التفسير.
المهارة الحادية عشرة: الصياغة العلمية لمسائل التفسير وعلوم القرآن.
المهارة الثانية عشرة: تلخيص دروس التفسير
المهارة الثالثة عشرة: تنسيق التلخيص وإحسان إخراجه.
وهذه المهارات الأساسية سيدرسها
الطالب في هذه الدورة بطريقة ميسّرة غير موسّعة، ويؤدّي تطبيقاتها المتعدّدة، ليكون
ذلك أدعى لإتقان هذه المهارات وضبطها بإذن الله تعالى.
وسنتناول هذه المهارات في البرامج المتقدّمة بمزيد من
التفصيل والتوسّع بإذن الله تعالى، مع مهارات أخر مهمّة تنبني على هذه المهارات، ولذلك
فإنّ من المهمّ أن يضبط الطالب أصول هذه المهارات في هذه المرحلة من تعلّم
التفسير.
وكان البدء بإعداد دروس هذه الدورة في شهر ذي
القعدة من عام 1436هـ ودُرّست لدفعات من برنامج إعداد المفسر في معهد آفاق التيسير
للتعليم عن بعد، ثم لمّا افتتحنا معهد إعداد المفسر في شهر شوال من عام 1445هـ عدت
إليها بالمراجعة والتهذيب، وأضفت إليها دروساً وأمثلة وتطبيقات، وفرغت منها في شهر
صفر من عام 1446هـ، ثم أخرجتها في كتاب ليسهل تداوله ونشره.
أسأل الله تعالى أن يتقبّل هذا العمل بقبوله الأحسن،
وأن يبارك فيه بركة من عنده وأن يعظم النفع به إنه حميد مجيد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
عبد العزيز بن داخل المطيري
الرياض 6 صفر 1446هـ.